تسعى هذه المراجعة لتقديم قراءة في كتاب بوسبير "البغاء في المغرب الكولونيالي: إثنوغرافيا حي محجوز". وهذا الكتاب في الأصل -بحسب بعض الدارسين- تقرير Rapport أو تحقيق Enquête، من إنجاز الطبيبيْن الفرنسيَّيْن ماتيو Mathieu وموري Maury في الفترة 1949-1950. لم يكن غريبًا أن تُختار الدار البيضاء التي يوجد فيها بوسبير موضوعًا لهذا التحقيق؛ فهي المدينة التي كانت الأكثر تعبيرًا عن التحوّلات المجتمعية السريعة التي طبعت كبرى حواضر المغرب تحت تأثير الاستعمار، والتي كانت كذلك المختبر الملائم للبرهنة على "دهاء الاستعمار"، إضافةً إلى أنها كانت المجال الملائم أيضًا لـ"ميلاد البروليتاريا الحضرية بالمغرب" التي سيكرِّس لها روبار مونتاني Robert Montagne 1893-1954 جانبًا مهمّاً من أبحاثه، وكان قد خصّص لها قبل ذلك تحقيقًا جماعيًّا، في الفترة 1948-1950 ، ظهر عام 1952. وضمن هذا السياق المعرفي والتاريخي، يَرِدُ التحقيق الذي هو موضوع المراجعة. وتعرض المراجعة، علاوةً على مدينة الدار البيضاء وسياق التحقيق، محتويات غزيرةً في ما يتعلّق بمعطياته، وأرقامه، ورسومه. وتحرص هذه المراجعة على استخلاص مفهوم "البغاء" الناظم للتحقيق في إطار من طبيعة الطرح الإثنوغرافي والسوسيولوجي الماسك بالتحقيق، وتثير موضوع "العلم الكولونيالي"، في تداخله مع "المنظور الاستشراقي"، لتخلص إلى "البعد الإنساني" الكامن في تفاعل المحققين مع الموضوع، على النحو الذي يكشف عن موقف قوامه التضامن ومناهضة العبودية، على الرغم من "المسافة" التي كثيرًا ما تطرح في البحث الأنثروبولوجي. وفضلاً عن ذلك تعرّج المراجعة على "بوسبير الآن"، في دلالة على "الأماكن" التي تقيم في "الذاكرة"، وعلى ما يلازم ذلك من "جراح كولونيالية مفتوحة" تعيد شريط البؤس والاستغلال تحت وطأة "الرغبة البيضاء".