عن الدورية

يستوحي اسم الدورية المشتقّ من لغة العرب ومصطلحاتهم إيحاءات العلاقة بين الدلالة اللغوية العربية والقرآنية للجذر "س ط ر" وكلمات Istoria و Istor و Istorein ذات أصول يونانية منها انبثق مصطلح علم التاريخ في الغرب بصيغة History وHistoire. ولو أثارت هذه الاستيحاءات العديد من الأسئلة، فإنّ دلالة هذا الاسم تبقى قائمةً على أساس لغوي ودلالي وتأصيلي، كما على أساس التمييز المفهومي - المصطلحي بين "أسطور" و"الأسطورة" و"الأسطرة" في الحقل التداولي العربي، أو دراسات النقد الثقافي والعلوم الاجتماعية.
ومن المثير أنّ مفردة "أسطورة" عمّرت في لغتنا العربية العامّة، وفي الحقل الدلالي السردي بالمعنى المناقض للكتابة التاريخية العلمية التي أصبح هدفها تفكيك الأساطير، في حين أنّها حافظت على معنى كتابة التاريخ في اللغات الأجنبية.
لا يحلّ الاسم -أو العنوان الرمزي- المختار للمجلة الإشكال المعرفيّ الذي ظل يعانيه علم التاريخ عند العرب؛ فمسيرة التصحيح بدأت في عصر النهضة بشقّ طريق جديدة في التأليف التاريخي. ومنذ ذاك الحين، يكبر الإنتاج التاريخي العربي الحديث والمعاصر وينهض وينمو، فيضاهي بعضه الإنتاج الغربي المتميز. والعودة إلى الأصل العربي القديم للكلمات "سطر" و"الأسطرة" و"الأسطور"، إنّما هي لتأصيل فكرة الكتابة في الزمن التاريخي، وعن الزمن التاريخي لدى العرب والمسلمين، لذا نعتمد اسم "أسطور" للمجلة بالمعنى اللغوي الذي يطلقه القرآن الكريم "والقلم وما يسطُرون"، وبالمعنى الاصطلاحي الحديث لتأسيس "تاريخ جديد عربي" يتواصل مع الإنجازات العربية الأولى فلا يقطع معها، بل يجدّدها ويطوّرها ويؤسّس لإبداعات جديدة. ونستنتج من خلال المعاجم اللغة العربية وكتب التراث العربي أنّ المفردة واشتقاقاتها المختلفة تدور جميعها حول الكتابة والتأليف، وأنّ الأسطور هو الكتاب. بل إنّ ابن منظور يربط ما بين سطّر وسيطر بسبب ما تفعله الكتابة من فعل السيطرة، "والمُسَيْطِرُ والمُصَيْطِرُ: المُسَلَّطُ على الشيء لِيُشْرِف عليه ويَتَعَهَّدَ أَحوالَه ويكتبَ عَمَلَهُ، وأَصله من السَّطْر لأَنّ الكتاب مُسَطَّرٌ، والذي يفعله مُسَطِّرٌ ومُسَيْطِرٌ." (لسان العرب، مادة سطر).
ولكن، هل من علاقة بين الأسطورة والأسطور؟ وبين أسطور، كما وردت في لغة العرب القديمة، ومفردات Istoria و Istor و Istorein ذات الأصول اليونانية التي منها انبثق مصطلح علم التاريخ في الغرب بصيغة History وHistoire ؟
يُجمع المؤرّخون الغربيون على أنّ مفردة Istor هي الجذر الإغريقي لكلمة histoire و History، وتعني "الشاهد" أو البصير والمبصر. وهذا المفهوم للبصر مصدرًا أساسيًّا للمشاهدة أي للمعرفة، يقود بدوره إلى التعبير عنها بتحقيقات ومباحث، أي بكتابات على طريقة ما فعله هيرودوت في تاريخه Istories ، أي تحقيقاته. فهل اقتبس الإغريق المفردة من إحدى أقنية التفاعل الثقافي واللغوي في دائرة العلاقات الحضارية المتوسطية الجامعة بين اليونان والشعوب السامية المشرقية؟
مهما كان الجواب أو يكون، فإنّ العودة إلى الأصل العربي القديم لجذر السطر والأسطرة والأسطور، إنّما هي لتأصيل فكرة الكتابة في الزمن التاريخي، وعن الزمن التاريخي لدى العرب والمسلمين، وبعد أن التبس معنى علم التاريخ واستشكل عند العرب زمنًا طويلًا، فعدّ علمًا "للخبر" المقطوع عن مسار التحوّلات، أو علمًا "للتوقيت" فحسب، أو علمًا مساعدًا لعلوم الشريعة، أو ديوان عبرٍ وخطابة وسياسة. ولعلّ ذلك سببه اعتماد كلمة التاريخ "علمًا" لأخبار الماضي واستذكارها وتوقيتها في سنوات. وهي كلمة دخلت في عهد الخليفة عمر للإشارة إلى التوقيت (أرخ)، ولم تلبث أن استخدمت بدءًا من القرن الثاني للهجرة للإشارة إلى "كتب الأخبار" بوصفها "كتب تاريخ".