تبني المعرفة التاريخية مشروعها عبر حوار جوهري مع التحليل النفسي، حيث تتحول الوقائع إلى نصوص لاواعية تنتظر التفكيك، ولا يقتصر هذا التداخل الجدلي على تطبيقات "النظرية الفرويدية" على أحداث الماضي، بل يتعداه إلى إعادة تعريف التاريخ نفسه كسيرورة علاجية تكشف عن الصدمات المكبوتة للجماعات والأمم. يبرز هنا التحليل النفسي كعدسة مفصحة عن العلاقات الخفية بين البنى الظاهرة والرغبات المتوارية، تراوح بين الإسقاط والتبرير والكبت. يبحث كل من
المؤرخ والمحلل النفسي عن المعنى في الفجوات والانزياحات، وأحيانًًا في الصمت أكثر من الكلام. يضعنا فرانسوا دوس في تحليله لهذه العلاقة المتشابكة أمام إشكالية إبستيمولوجية مركزية: كيف يمكن للتاريخ أن يظل موضوعيًًا وهو يخضع لقوانين اللاوعي؟ وإلى أي حد يقدم التحليل النفسي قراءة منهجية في تناوله لوقائع تاريخية حاضرة/ غائبة؟