تتجدّد أسئلة المادة المصدرية وتتناسل كلّما اتسعت
رقعة التحولات المعرفية والطفرات المنهجية، وكلّما تكاثفت العلاقات البينية
اللاحمة بين التاريخ والعلوم المجاورة التي تمدّ المؤرخ بآليات جديدة
للاشتغال، وتدخله في عوالم معرفية لم تكن مألوفة لديه، ومن بينها عالم
الضحك الذي أنتج نصوصًا هزلية تقدّم نفسها اليوم مادةً مصدرية لقراءة
التاريخ، مقابل النصوص والوثائق الرسمية التي عادة ما تتميّز بخطاب جدّي
ومنضبط، وبإيقاع لا يتجاوز سقف المعايير القيمية المتعارف عليها. وبحكم أنّ
الإنسان "حيوان ضاحك"، وكائن ذو طبيعة نفسية مركّبة، تجمع بين الجدّ
والهزل، فمن البديهي أن يُنتج نصوصًا مضحكة، بل إن النكتة التي يحكيها في
شكلها الملفوظ جزء مما يسميه بول ريكور "حضارة الكلام" مقابل حضارة العمل
والمنجزات ، فضلًا عن كونها إحدى تجليات التمثّلات الذهنية المتولّدة من
قيم مجتمعية وذاكرة جماعية. وبما أنه لا يمكن تصوّر تاريخ بشري خالٍ من
الضحك، فإن السؤال المركزي الذي نروم إثارته في هذه الدراسة هو: إلى أي حدّ
يمكن اعتبار النصّ المضحك، من نوادر ونكت ومستملحات وطرائف، مصدرًا من
المصادر التي يستند إليها المؤرخ لسدّ بعض ثغرات التاريخ العربي، وتفسير
التاريخ السياسي والاجتماعي؟ ثم أيمكن اعتبار النص المضحك مكمّلًا للنص
"الجادّ" أم ناقضًا لصحته؟ وهل يعدّ الهزل في حدّ ذاته تعبيرًا عن واقع
تاريخي مسكوت عنه، ولو بطريقة مراوغة ومليئة بالشيفرات؟