تطرح هذه الورقة البحثية، موضوع توظيف المتن الرحلي في البحث التاريخي، وما يكتنف ذلك من مخاطر منهجية ترتبط أساسًا بتفاعل الرحّالة الفوري مع ما يرى من أحداث وما يصف من ظواهر وأوضاع. وقد يؤدي هذا التفاعل تارةً، بالنظر إلى قرب عهد المؤلف بالحدث وعدم أخذ وقت كافٍ لقراءته قراءة صحيحة، إلى الخروج باستنتاجات وتأويلات مجانبة للصواب ومخالفة للحقيقة؛ وتارةً إلى تشكيل صورة أو بناء موقف مبالغ فيه خصوصًا إذا كان للمؤلف تعاطف وميل إلى جهة معينة. وسعيًا لبيان ذلك، اخترنا الاشتغال بنص رحلة ناصر خسرو إلى مصر، إذ إنه يتضمن وصفًا لأوضاعها السياسية ونظمها الإدارية والعسكرية والجبائية في عهد المستنصر الفاطمي. ولم يقتصر خسرو على الوصف والملاحظة، بل كان يدلي بوجهة نظره الإيجابية إزاءها، من دون ترك مسافة زمنية كافية تسمح له بالقيام، أحيانًا، بقراءة واقعية موضوعية لما شاهد من أحداث، وسمع من أخبار ورأى من ظواهر. وقد يُبَرر ذلك بميوله الشيعي واعتناقه المذهب الإسماعيلي؛ لذلك يغلب على الحيز المخصص لمصر في الكتاب المدح والإطراء والتمجيد.