منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى في آب/ أغسطس 1914، اتخذت اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية مقرها العام في برلين، وتولى رئاستها يهودي ألماني هو أوتو فاربورغ Otto Warburg. وأنشأت لها مكتبًا في إسطنبول تولى رئاسته ديفيد ياكبسون David Jacobson، ومكتبًا في لندن تولى رئاسته ناحوم سوكولوف Nahum Sokolow أول الأمر، ثم حل محله الدكتور حاييم وايزمان Chaim Weizman أستاذ الكيمياء الصناعية في جامعة مانشستر Manchester، ومكتبًا في نيويورك برئاسة القاضي في المحكمة الأميركية العليا لويس برانديس Louis Brandies، ومكتبًا في كوبنهاغن، باعتبارها عاصمة للدنمارك الدولة المحايدة في هذه الحرب، لتسهيل الاتصال بالممثلين الدبلوماسيين للدول المتحاربة. وفي كانون الأول/ ديسمبر 1914، أعلنت اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية في اجتماع عقدته في كوبنهاغن أنها تقف على الحياد من النزاع الدولي القائم. وكان هذا الإعلان بمنزلة مناورة سياسية ترمي إلى إشعار الأطراف المتنازعة بأنها لن تلتزم إلا مع من سيقدم لها ما تطلب من وعود وعهود[1].
وفي اجتماع المجلس الصهيوني العام الذي عُقد في لاهاي في 24 آذار/ مارس 1916، عرض الزعيم الصهيوني ديفيد ياكبسون، لأول مرة، موضوع إصدار تصريح من الحكومتين الألمانية والعثمانية يتضمن تعاطفهما مع الأماني الصهيونية في فلسطين، غير أن المجلس اعتبر هذا الاقتراح سابقًا لأوانه. والواقع أن القيادة الصهيونية شعرت، بعد العرض الذي تقدمت به دولتا الوسط (ألمانيا والنمسا - هنغاريا) في 12 كانون الثاني/ يناير 1916 لإبرام الصلح مع الحلفاء، أن الوقت قد حان لاستصدار تصريح من الحكومة الألمانية يؤيد الأطماع الصهيونية في فلسطين.
ولما تشكلت حكومة عثمانية جديدة برئاسة طلعت باشا في مطلع عام 1917، سارعت اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية إلى الاتصال بوزارة الخارجية الألمانية، تطلب منها بَذل المساعي لدى الحكومة العثمانية الجديدة للحصول على بيان مؤيد للأماني الصهيونية. ولما حُوّل الطلب إلى السفير الألماني في أسطنبول رايشارد فون كيلمان Reichard Von Kuelman ، أعرب عن تحفظه عليه. وبعث السفير برسالة إلى المستشار الألماني بيتمان هولفيغ Bethmann Hollweg، في 26 آذار/ مارس 1917، ذكر فيها أن صلة الصهيونية بيهود العالم ضعيفة، وأن دورها في التأثير في موقف الولايات المتحدة الأميركية لم يعد له أي قيمة، بعد أن قطعت علاقتها الدبلوماسية مع ألمانيا، ووقفت في صف الأعداء[2].
أما في بريطانيا، فقد ركّز مكتب المنظمة الصهيونية في لندن برئاسة ناحوم سوكولوف منذ قدومه إليها في أواخر عام 1914 على وزارة الخارجية البريطانية التي رفضت استقباله، في حكومة هربرت أسكويث Herbert Asquith، وكان يتولاها إدوارد غراي Edward Grey. وبررت وزارة الخارجية البريطانية موقفها بأن لديها معلومات كافية عن الصهيونية، ولا ترى حاجة إلى لقاء سوكولوف. وكانت حكومة أسكويث تضم يهوديين أولهما هربرت صموئيل Herbert Samuel؛ وهو صهيوني الميول، وابن خاله إدوين مونتاغو Edwin Montagu المعارض للحركة الصهيونية.
سعى القادة الصهاينة في بريطانيا لدى القيادات السياسية والدبلوماسية والعسكرية البريطانية لكسبها إلى جانبها وتبنّي المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين. واستعملوا نفوذ العلماء والصحافيين ورجال المال اليهود، ولجؤوا إلى مختلف الأساليب والوسائل لكسبهم. ولما تولى حاييم وايزمان قيادة حركتهم، نجح في مهمته، بعد أن تعرّف إلى ديفيد لويد جورج David Lloyd George وزير المجهود الحربي في وزارة أسكويث، وأصبح مستشارًا له في تصنيع مادة الأسيتون Acetone الضرورية لصناعة المتفجرات في أيلول/ سبتمبر 1915. وعُيّن أيضًا في وزارة البحرية التي كان يتولاها آرثر بلفور Arthur Balfour مستشارًا. وأقام وايزمان علاقات وثيقة مع هربرت صموئيل وديفيد لويد جورج وآرثر بلفور وجيمس دو روتشيلد James de Rothchild والصيرفي البريطاني عضو مجلس اللوردات وتش. ب. سكوت Ch. P. Scott رئيس تحرير صحيفة ذي غارديانThe Guardian، ومارك سايكس Mark Sykes الوزير الجديد في حكومة ديفيد لويد جورج. وكسبهم لمساندة الحركة الصهيونية وتبنّي مشروعها الاستعماري في فلسطين[3].