تصريح بلفور في الجرائد الفلسطينية: من صدوره إلى ثورة البراق عام 1929

غلاف مجلة أسطور العدد 8

تمّت الصفقة بين الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني بإعلان "تصريح بلفور"Balfour Declaration[1] في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، وكان ذلك أول اعتراف رسمي من دولة عظمى بالحركة الصهيونية، وأول تأييد رسمي لأطماعها في فلسطين[2]. وتحقق مضمون الوفاق الأنغلو-صهيوني عمليًا على أرض فلسطين، لإرساء الوطن القومي لليهود، بعد أن انتصرت بريطانيا وحليفتها فرنسا في الحرب العالمية الأولى. فحدد الانتداب واجبات الحكومة البريطانية، تجاه فلسطين، وفقًا لمضمون التصريح، على الرغم من التناقض الواضح بين إقرار تنفيذ التصريح وبين حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره، بموجب ميثاق عصبة الأمم، ووعود الحلفاء المقطوعة للعرب أثناء الحرب العالمية الأولى.

يأتي الحديث عن وعد بلفور من خلال التركيز على بعض الجرائد الفلسطينية التي كانت تصدر حينها في فلسطين حتى عام 1929، وهو العام الذي تحولت فيها المقاومة بشتى صورها ضد الانتداب البريطاني والوجود الصهيوني معًا. وسيكون التركيز منصبًّا على جريدة فلسطين لأسباب كثيرة؛ أهمها تركيزها على الوعد في صفحاتها، علمًا أن النسق العام للجرائد الفلسطينية تجاه التصريح كان متشابهًا بين الجرائد عمومًا، وهو الأمر الذي شكّل العقل الجمعي الصحفي الفلسطيني، وطرائق المعالجة. وهذا لا يعني أن الخط الصحفي التفصيلي جاء على وتيرة واحدة، بل كانت هناك جرائد فلسطينية اتخذت أشكالًا أخرى من ردات الفعل تجاه التصريح. فكانت تختلف في مفرداتها وتوجهات أصحابها من حيث التعاطي مع الحدث وأسلوب المعالجة، لذا حازت جريدة فلسطين الحصة الكبرى من البحث، وجاءت الجرائد الأخرى لتؤكد الفكرة أو تنقضها، خاصة أن جريدة فلسطين كانت من أكثر الجرائد الفلسطينية انتظامًا في إصدارها، وتتوافر أعدادها على نحو كافٍ في مكتبة الجامعة الأردنية. ويبدو جليًا من خلال البحث والتقصي في مفردات الخطاب الصحفي العربي في فلسطين، وأظنها في العالم العربي في حينها، أن ردات فعل الجرائد الفلسطينية أقرب إلى "الفزعة"، وأنها تجهل كنه العلاقة بين بريطانيا واليهود، وليس لها دراية كافية بالسبب الحقيقي للوجود البريطاني في فلسطين؛ وهو العمل على خلق دولة وظيفية صهيونية تخدم المصالح البريطانية، بل الاستعمار الأوروبي برمّته. فأوروبا حضارة نفعية مادية تتجاوز الحب والكره، وتلتزم بأمر واحد هو تحويل العالم إلى مادة استعمالية لا قداسة لها، وكما يقول اللورد بالمرستون Lord Palmerston وزير خارجية بريطانيا (1830-1841) ورئيس وزرائها (1846-1851) "ليس لنا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، بل مصالح دائمة"[3].

تحاول هذه الورقة استقراء واقع الجرائد ومخيالها وأقلامها، وانعكاسات صورة التصريح ومضامينه على صفحاتها، الذي بدوره عكس وانعكس على حال المقاومة. وقد اعتمدت الدراسة على المنهج التاريخي الاسترجاعي المتسلسل، خاصة أنها أدركت عامل الزمن، أو ما يعرف عند ابن خلدون بتبدل الأحوال. لذا جاء التنقيب عن أخبار التصريح في الجرائد في سياق التصاعد التاريخي للأحداث وتحولاتها المتسارعة، مع الأخذ في الاعتبار مقدار الوعي ونقيضه في ما يتعلق باختلاف المعالجات الصحفية، وأسبقية جريدة على أخرى، بشأن إدراك خطر وعد بلفور. وسيكون التركيز منصبًّا على الجرائد التي كانت تصدر في فلسطين إبان مجال الدراسة. ومن أهم هذه الجرائد: جريدة فلسطين، وغيرها من الجرائد الفلسطينية التي رافقت الفترة الزمنية المبحوث فيها؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر: جريدة الجامعة العربية، وجريدة الكرمل، وجريدة لسان العرب، بوصفها تعبّر عن اختلاف في وجهة النظر.

حمّل المادة حمّل العدد كاملا الإشتراك لمدة سنة

ملخص

زيادة حجم الخط

تمّت الصفقة بين الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني بإعلان "تصريح بلفور"Balfour Declaration[1] في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، وكان ذلك أول اعتراف رسمي من دولة عظمى بالحركة الصهيونية، وأول تأييد رسمي لأطماعها في فلسطين[2]. وتحقق مضمون الوفاق الأنغلو-صهيوني عمليًا على أرض فلسطين، لإرساء الوطن القومي لليهود، بعد أن انتصرت بريطانيا وحليفتها فرنسا في الحرب العالمية الأولى. فحدد الانتداب واجبات الحكومة البريطانية، تجاه فلسطين، وفقًا لمضمون التصريح، على الرغم من التناقض الواضح بين إقرار تنفيذ التصريح وبين حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره، بموجب ميثاق عصبة الأمم، ووعود الحلفاء المقطوعة للعرب أثناء الحرب العالمية الأولى.

يأتي الحديث عن وعد بلفور من خلال التركيز على بعض الجرائد الفلسطينية التي كانت تصدر حينها في فلسطين حتى عام 1929، وهو العام الذي تحولت فيها المقاومة بشتى صورها ضد الانتداب البريطاني والوجود الصهيوني معًا. وسيكون التركيز منصبًّا على جريدة فلسطين لأسباب كثيرة؛ أهمها تركيزها على الوعد في صفحاتها، علمًا أن النسق العام للجرائد الفلسطينية تجاه التصريح كان متشابهًا بين الجرائد عمومًا، وهو الأمر الذي شكّل العقل الجمعي الصحفي الفلسطيني، وطرائق المعالجة. وهذا لا يعني أن الخط الصحفي التفصيلي جاء على وتيرة واحدة، بل كانت هناك جرائد فلسطينية اتخذت أشكالًا أخرى من ردات الفعل تجاه التصريح. فكانت تختلف في مفرداتها وتوجهات أصحابها من حيث التعاطي مع الحدث وأسلوب المعالجة، لذا حازت جريدة فلسطين الحصة الكبرى من البحث، وجاءت الجرائد الأخرى لتؤكد الفكرة أو تنقضها، خاصة أن جريدة فلسطين كانت من أكثر الجرائد الفلسطينية انتظامًا في إصدارها، وتتوافر أعدادها على نحو كافٍ في مكتبة الجامعة الأردنية. ويبدو جليًا من خلال البحث والتقصي في مفردات الخطاب الصحفي العربي في فلسطين، وأظنها في العالم العربي في حينها، أن ردات فعل الجرائد الفلسطينية أقرب إلى "الفزعة"، وأنها تجهل كنه العلاقة بين بريطانيا واليهود، وليس لها دراية كافية بالسبب الحقيقي للوجود البريطاني في فلسطين؛ وهو العمل على خلق دولة وظيفية صهيونية تخدم المصالح البريطانية، بل الاستعمار الأوروبي برمّته. فأوروبا حضارة نفعية مادية تتجاوز الحب والكره، وتلتزم بأمر واحد هو تحويل العالم إلى مادة استعمالية لا قداسة لها، وكما يقول اللورد بالمرستون Lord Palmerston وزير خارجية بريطانيا (1830-1841) ورئيس وزرائها (1846-1851) "ليس لنا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، بل مصالح دائمة"[3].

تحاول هذه الورقة استقراء واقع الجرائد ومخيالها وأقلامها، وانعكاسات صورة التصريح ومضامينه على صفحاتها، الذي بدوره عكس وانعكس على حال المقاومة. وقد اعتمدت الدراسة على المنهج التاريخي الاسترجاعي المتسلسل، خاصة أنها أدركت عامل الزمن، أو ما يعرف عند ابن خلدون بتبدل الأحوال. لذا جاء التنقيب عن أخبار التصريح في الجرائد في سياق التصاعد التاريخي للأحداث وتحولاتها المتسارعة، مع الأخذ في الاعتبار مقدار الوعي ونقيضه في ما يتعلق باختلاف المعالجات الصحفية، وأسبقية جريدة على أخرى، بشأن إدراك خطر وعد بلفور. وسيكون التركيز منصبًّا على الجرائد التي كانت تصدر في فلسطين إبان مجال الدراسة. ومن أهم هذه الجرائد: جريدة فلسطين، وغيرها من الجرائد الفلسطينية التي رافقت الفترة الزمنية المبحوث فيها؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر: جريدة الجامعة العربية، وجريدة الكرمل، وجريدة لسان العرب، بوصفها تعبّر عن اختلاف في وجهة النظر.

المراجع