يُعدّ ابن إسحاق أقدم من ألّف السّيرة النبويّة التي تكاد تكون محفوظة بكلّيّتها، بعد أن استفاد من كلّ الذين سبقوه من محدّثي المدينة، وخاصّة عاصم بن عمر ويزيد بن رومان وابن شهاب الزّهري وغيرهم. واستفاد ابن إسحاق أيضًا في تأليفه السّيرة من الرّوايات التاريخيّة التي وضعها كثير من الرّواة الذين سبقوه، مثل عروة بن الزبير وأبان بن عثمان وموسى بن عقبة، والإسرائيليات والقصص الشّعبي. وبتأليف ابن إسحاق السّيرة النّبويّة، يبرز أدبًا إسلاميًّا جديدًا مختلفًا ومستقلاًّ عن الحديث النّبوي وتفسير القرآن، مع أنّه نشأ وتطوّر في رحمهما. ويمكن تفسير بروز هذا الأدب الجديد بحاجة المجتمع الإسلامي إلى تخليد ذكرى النبيّ وجعله قدوة يحتذى بها، من دون التّخلّي كلّيًا عن موروثهم ما قبل الإسلامي الذي يمثّل جانب القصص فيه الثّقافة السّائدة والمؤثّرة. وتمثّل سيرة ابن إسحاق التي وصلنا جانب مهمّ منها في سيرة ابن هشام وجوانبها الأخرى في كلّ من تاريخ الطبري وتفسيره وفي أخبار مكّة للأزرقي، بمنهجها وهيكلها، نواة تطوّر عديد العلوم الإسلاميّة الأخرى، مثل التاريخ والطبقات التي تضمنت إلى جانب تاريخ الأنبياء والأمم والمسلمين وطبقات الصّحابة والتابعين قسماً مخصّصًا لسيرة النّبي.