هذه الدراسة قراءة في تاريخ ما يُفرض أنه نص وثيقة أطلقت عليه المصنفات الإسلامية التاريخية الباكرة والوسيطة "الصحيفة" وأحيانًا "الكتاب"، وأشار إليه مفكرون مُحدَثون ومعاصرون، مسلمون وغير مسلمين، ب "دستور المدينة". يُفرض أنّ كتابة ذلك النص بدأت بعد هجرة الرسول محمد من مكة إلى المدينة المنورة عام 622 م. وقد أشارت بعض المصنفات الإسلامية الباكرة والوسيطة إلى ذلك النص أو أجزاء منه، أحيانًا بتفصيل، وأحيانًا أخرى بإيجاز لا يتجاوز إشارةً عابرةً بغير مضمونٍ دالٍّ. بيد أنّه اكتسب أهميةً كبيرةً في الأدبيات الإسلامية الحديثة؛ إذ قَرأتْ في ذلك النص أمورًا لم تكن على الأرجح -بحسب هذه الدراسة- لتطرأ على ذهن مؤلفي المصنفات الباكرة والوسيطة، فضلًا عن كاتبي النص الأصليين. وليست هذه الورقة بحثًا في أصالة النص التاريخية أو تأريخًا لكتابته الأولى أو بحثًا في مصادره. كما أنها ليست دراسةً في متن النص بوصفه مصدرًا لمعلومات تاريخية أو مبادئ قيميةً. فهذه الدراسة تسعى أساسًا لتتبع تاريخ تناول المسلمين لذلك النص على مدار أربعة عشر قرنًا، محاولةً تفسر التطور في قراءته من خلال النظر في السياقات التاريخية التي لم تؤثّر بأفكارها واهتماماتها وتوجهاتها المختلفة في عملية قراءته بوصفه نصًّا فحسب، بل في عملية "صناعته" أيضًا بوصفه نصًّا تاريخيًا مؤسّسًا في الأدبيات الحديثة والمعاصرة. وهي، بعبارة أخرى، تُعنى بتاريخ ذلك النص من جهة أنه موضوع للقراءة تطوّر مع تغير الأوضاع التي عاش فيها من اهتموا به.