نعالج موضوع الثورة الجزائرية في شهادة من صنعوها أو عاصروها وذاكرتهم، بالنظر إلى أنّ الثورة حدثٌ تاريخي بدلالتها العظمى. فقد تلازم فعل المستعمِر الفرنسي مع ردّة فعل المستعمَر الجزائري في لحظة زمنية مكثفة بالمعاني السياسية الجديدة في عالم العلاقات الدولية والتاريخ العامّ. وأسفرت الثورة التحريرية عن استمرار التاريخ على الرُّنو إلى مزيد من الحرية والعدالة والمساواة على غرار مواثيق ثورات العالم وبياناتها، وهو ما يترتب عليه وضْع حدّ للاستعمار وبداية منعطف جديد لتاريخ تصفية الاستعمار. إنّ الشهادة مصدرًا للتاريخ الشفاهي تعبّر عن لحظة زمنية تتطابق فيها الواقعة التاريخية مع لحظة البوح بها وفي التَّو. فصِلَة الشهادة التاريخية هي مع التاريخ ذاته ومع الشاهد أيضا، ومن ثمّة تأتي خصوصية التاريخ الراهن الذي صارت تصنعه المعلومة الفورية والحديث التلقائي والاستجواب والخبر الذي تقدمه الوسائط المختلفة والمتنوعة في أوعية وفي طريقة التقديم. تحتاج رواية الحدث إلى قوة إدراك وإلى وعي بالذات وبالموضوع، وما افتقده المناضل الجزائري زمن الاستعمار هو الوعي الثقافي والسياسي الذي يوسع به خياله ومداركه وملكاته ليحتفظ بعد ذلك بالصورة والمشهد، يستطيع أن يسرد شهادته في شكلها الأقرب إلى الصّحة وإلى ما جرى فعلا. فقدان التواصل ومجاورة الآخر حرم المناضل الجزائري أيضا من إمكان سرد مجريات الكفاح المسلح على أساس خلفية الوجود الجزائري الفرنسي ولو ضدًّا للآخر. لكن الضد الذي يؤكد الأنا ذاتًا فاعلةً ويؤكد الآخر طرفًا خصمًا يمكن تحديه وتجاوزه. والذين كانت لهم القدرة على التواصل مع الفرنسيين هم الذين تصدروا المشهد السياسي والدبلوماسي والوجودي العامّ زمن الثورة، وهم أيضًا الذين استطاعوا رواية تاريخ الثورة التحريرية كفصلٍ ثانٍ من صنع الثورة ذاتها.