كيف يمكن أن تفيدنا الأرشيفات لاستحضار الماضي في غيريته ؟ dans son altérité وهل يمكن أن يُستحضر الماضي من خلال الأرشيفات من دون أن يُصطبغ بحاضر المؤرخ وبمدى قدرته الذاتية على استنطاق هذه الأرشيفات؟ وكيف يمكن أن يكون وضع المعرفة التاريخية عندما تستند إلى أرشيفات مصطبغة بالمنظومة التي كانت وراء وضعها، سواء كانت هذه المنظومة متمثلة في الدولة، أو في العائلة، أو في هيئة أخرى؟ وكيف يمكن أن نحد من تأثير الفراغات التي تتركها بالضرورة أرشيفات الدولة، خاصة أنها وضعت أولًا وبالذات لتلبية حاجة الإدارة المركزية؟ وكيف يمكن أن نحد من وقع الأرشيف وتأثيره اللاشعوري في المؤرخ عن طريق العبارات والكلمات
المحفوفة بخطاب الإدارة المركزية، أو بمعيارية المجتمع كلّه في لحظة معيَّنة؟
لمعالجة هذه القضايا، أنطلق من التفكير في تجربتي الشخصية في التعامل مع الأرشيفات العثمانية لدراسة جوانب من تاريخ البلاد التونسية خلال الفترة الحديثة )القرون 17 و 18 و 19 (، وهي تجربة ترجع إلى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. ولم تكن لي في بداية تجربتي هذه دراية خاصة بالاشتغال بالأرشيفات، ولا بالمسائل المتعلقة باستعمالاتها، فأشرح كيف تعاملت مع هذه الوثائق، مبينًا تعثراتي والحلول التي اهتديت إليها لتخطي "المطبات" التي اعترضتني، وأبين كيف تعلمت أن أنتقل من مرحلة كنت أجمع فيها المعطيات من الخزان الأرشيفي وأنتقيها بعفوية كاملة قصد توظيفها لما سأراه مفيدًا لبحثي، إلى مرحلة أكثر جدوى تتمثل في كوني أصبحت أقرأ من خلال المعطيات الأرشيفية ولا أكتفي بجمعها.