المصادر التاريخية واستعمالاتها في علاقة الأقليات بالغيرية في الباد التونسية

نتناول بالدرس حالتين من مصادر الأقليات في علاقتها بالغيرية في تاريخ البلاد التونسية. ووجدنا من بين الأقليات مجموعات يهودية مهمة كانت تنتشر في عدد من مدن البلاد، وفي الشمال الأفريقي عمومًا. كما كانت توجد أيضًا مجموعات إسلامية إباضية اقتصرت على بعض الجزر في جربة وخارجها في جبل نفوسة (ليبيا) ووادي ميزاب (الجزائر).

نهتم في ما يلي بحالة المجال المحلي لجربة الذي جمع معًا مجموعات يهودية وأخرى إباضية؛ إذ كان يهود الجزيرة من أهم المجموعات اليهودية في البلاد. وقد كانت المجموعات الإباضية كل ما تبقى من وجود الإباضية في البلاد التونسية خلال ما يعرف بالعصر الوسيط. كما كانت المجموعات اليهودية وكذلك الإباضية تشترك في قدرتها على مقاومة الزوال، فاستمر وجودها إلى اليوم، في حين اندثر عدد المجموعات المماثلة لها في مناطق أخرى في الشمال الأفريقي عمومًا، رغم ما كان لها من أهمية.

لا تزال وثائق الأقليات اليهودية والإباضية عمومًا نادرة، بل تكاد تكون أحيانًا معدومة، على الأقل قبل تأسيس المصلح خير الدين التونسي خزينة وثائق الدولة في تونس في عام 1874، وانتصاب الحماية في عام 1881، وذلك خلافًا للمجموعات الأخرى المالكية والحنفية.

اتجهت عنايتنا نحو مصادر اعتبرناها لافتة في الموضوع الذي تطرحه ندوة مجلة أسطور؛ إذ اخترنا تناول رواية الأصل لدى يهود جربة. وقد اهتم بموضوع روايات الأصل عديد الدارسين، مثل حالة أسطورة الأصل لدى البربر، وأسطورة الأصل في المجتمع المغاربي. وقد كانت رواية أصل يهود جربة عبارةً عن مجال التقاء بين اليهود والغيرية في مستوياتها المختلفة. ولقد قرأها بعض الدارسين وتوصّل فيها إلى استنتاجات، نسعى لمراجعة قراءتها في هذا المقام.

اخترنا من جهة أخرى، من بين مصادر الأقليات الإباضية، وثائق استرعاء لرسوم وقف. وتمثل هذه الأخيرة رصيدًا موزّعًا بين أرشيف أملاك الدولة وأرشيفات العائلات الخاصة. وكانت هي الأخرى مجالَ التقاء بين فاعلين اجتماعيين إباضية ونظرائهم من جهاز المخزن. وقد أفرزت كتابة هذه الوثائق فترةً قبلية، وفترةً أخرى بعدية. وربما يدل ذلك على أنها عملت على تحوّل مهم في المجتمع المحلي في جربة، يتمثل في الانتقال بالعلاقة بين الأهليين الإباضية والدولة إلى علاقة وفاق وتعايش.

تُتيح لنا مصادر اليهود والإباضية التي فرزناها فهمَ موضوع علاقة الأقليات الدينية والمذهبية بالغيرية، سواء في المحيط المجتمعي المباشر أم الشمولي. ونطرح الأسئلة التالية: كيف نقرأ رواية الأصل لدى يهود جربة؟ وما غاية الفاعلين الاجتماعيين اليهود من إنتاج مصادر رواية الأصل، والإباضية من إنتاج وثائق الاسترعاء؟ وما النتائج التي توصل إليها هذا البحث؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، نقدّم في مرحلة أولى مدوّنة مصادرنا بما تشمله من قواسم مشتركة و/ أو اختلاف وتنوّع. ونتولّى في المرحلة الثانية إماطة اللثام عن الغايات المختلفة للفاعلين الاجتماعيين من خلال إنتاج المصادر موضوع بحثنا. ونُخصّص المرحلة الأخيرة لإبراز أهم النتائج التي توصلنا إليها.

حمّل المادة حمّل العدد كاملا الإشتراك لمدة سنة

ملخص

زيادة حجم الخط

نتناول بالدرس حالتين من مصادر الأقليات في علاقتها بالغيرية في تاريخ البلاد التونسية. ووجدنا من بين الأقليات مجموعات يهودية مهمة كانت تنتشر في عدد من مدن البلاد، وفي الشمال الأفريقي عمومًا. كما كانت توجد أيضًا مجموعات إسلامية إباضية اقتصرت على بعض الجزر في جربة وخارجها في جبل نفوسة (ليبيا) ووادي ميزاب (الجزائر).

نهتم في ما يلي بحالة المجال المحلي لجربة الذي جمع معًا مجموعات يهودية وأخرى إباضية؛ إذ كان يهود الجزيرة من أهم المجموعات اليهودية في البلاد. وقد كانت المجموعات الإباضية كل ما تبقى من وجود الإباضية في البلاد التونسية خلال ما يعرف بالعصر الوسيط. كما كانت المجموعات اليهودية وكذلك الإباضية تشترك في قدرتها على مقاومة الزوال، فاستمر وجودها إلى اليوم، في حين اندثر عدد المجموعات المماثلة لها في مناطق أخرى في الشمال الأفريقي عمومًا، رغم ما كان لها من أهمية.

لا تزال وثائق الأقليات اليهودية والإباضية عمومًا نادرة، بل تكاد تكون أحيانًا معدومة، على الأقل قبل تأسيس المصلح خير الدين التونسي خزينة وثائق الدولة في تونس في عام 1874، وانتصاب الحماية في عام 1881، وذلك خلافًا للمجموعات الأخرى المالكية والحنفية.

اتجهت عنايتنا نحو مصادر اعتبرناها لافتة في الموضوع الذي تطرحه ندوة مجلة أسطور؛ إذ اخترنا تناول رواية الأصل لدى يهود جربة. وقد اهتم بموضوع روايات الأصل عديد الدارسين، مثل حالة أسطورة الأصل لدى البربر، وأسطورة الأصل في المجتمع المغاربي. وقد كانت رواية أصل يهود جربة عبارةً عن مجال التقاء بين اليهود والغيرية في مستوياتها المختلفة. ولقد قرأها بعض الدارسين وتوصّل فيها إلى استنتاجات، نسعى لمراجعة قراءتها في هذا المقام.

اخترنا من جهة أخرى، من بين مصادر الأقليات الإباضية، وثائق استرعاء لرسوم وقف. وتمثل هذه الأخيرة رصيدًا موزّعًا بين أرشيف أملاك الدولة وأرشيفات العائلات الخاصة. وكانت هي الأخرى مجالَ التقاء بين فاعلين اجتماعيين إباضية ونظرائهم من جهاز المخزن. وقد أفرزت كتابة هذه الوثائق فترةً قبلية، وفترةً أخرى بعدية. وربما يدل ذلك على أنها عملت على تحوّل مهم في المجتمع المحلي في جربة، يتمثل في الانتقال بالعلاقة بين الأهليين الإباضية والدولة إلى علاقة وفاق وتعايش.

تُتيح لنا مصادر اليهود والإباضية التي فرزناها فهمَ موضوع علاقة الأقليات الدينية والمذهبية بالغيرية، سواء في المحيط المجتمعي المباشر أم الشمولي. ونطرح الأسئلة التالية: كيف نقرأ رواية الأصل لدى يهود جربة؟ وما غاية الفاعلين الاجتماعيين اليهود من إنتاج مصادر رواية الأصل، والإباضية من إنتاج وثائق الاسترعاء؟ وما النتائج التي توصل إليها هذا البحث؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، نقدّم في مرحلة أولى مدوّنة مصادرنا بما تشمله من قواسم مشتركة و/ أو اختلاف وتنوّع. ونتولّى في المرحلة الثانية إماطة اللثام عن الغايات المختلفة للفاعلين الاجتماعيين من خلال إنتاج المصادر موضوع بحثنا. ونُخصّص المرحلة الأخيرة لإبراز أهم النتائج التي توصلنا إليها.

المراجع