لقد كتب كثير عن وعد بلفور، بل إن هذا الحدث، كما يقال، قُتل بحثًا. ولكن ذكرى مئوية هذا الحدث، كما سائر المئويات، تمثّل - مثلما هو معلوم - مناسبة للباحثين والمؤرخين كي يعودوا إليه ليستأنفوا الحفر في أبعاده المتراصّة، التاريخي منها والسياسي والأخلاقي والمعرفي والرمزي ... إلخ. فالتاريخ إنما هو في الحصيلة كتابة مستمرة؛ لأنه ببساطة علم تأويلي في رأي الفيلسوف دالتي Dilthey؛ ذلك أن المؤرّخ يهتم بأفعال البشر ويجتهد - ما وسعه ذلك - في استقصاء ضمائر الأموات، ما يعني أنه يتعامل مع المعنى، والمعنى لا يفسّر بل يؤوّل. ومن ثمّ فإن التاريخ، بوصفه كتابة، لا ينتهي.
ضمن هذه الإحداثيات العامة تندرج ورقتنا التي سنبحث فيها ردود أفعال زعامات الحركة العربية على إعلان وعد بلفور خلال الحقبة الواقعة بين نهاية 1917 ومطلع 1920، ومسوغات تلك الردود ومعانيها.