من الدفاع عن الدولة والتحديث إلى نشر قيم المواطنة: قراءة في تحولات الكتابة التاريخية في تونس

على الرغم من الحشد الهائل من الكتابات والمنشورات والندوات التي تناولت موضوع "الأسطوغرافيا" ومجالات البحث التاريخي في تونس على وجه الخصوص، وفي المجال العربي الإسلامي بوجه عام، فإن موضوع علاقة الدولة بعلم التاريخ لا يزال وحده مثيرًا للجدل. ففي الكتابات التاريخيّة التونسيّة، على وجه التحديد، يطرح الموضوع ذاته مشكلات أشدّ تعقيدًا؛ بسبب الخصوصيات المحليّة التي من أهمها التحولات السياسيّة التي شهدتها البلاد منذ ثورة 14 جانفي 2011، وانعكاس ذلك رأسيًا على مجالات البحث ومناهجه في التاريخ.

فقد نجم عن ذلك جدل فكري وسياسي حول طبيعة الدولة ونظام الحكم الجديد، وعلاقتهما بالفاعلين الاجتماعيّين، وبخاصة النخب. ولم يبق ذلك الجدل، وهو ما يزال متواصلًا، حبيس أروقة الجامعات أو مراكز البحث ومخابره، وإنما انتقل إلى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وإلى مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته أيضًا. ولم يكتف المؤرّخ بصفته فاعلًا اجتماعيًّا، ومهتمًا بالماضي وأخباره انطلاقًا من الحاضر، بدراسة قضايا الدولة خلال القرن التاسع عشر، وإنما انخرط بدوره في الجدل الفكري والسياسي حول الدولة قبل الثورة وبعدها. وقد شغلت تلك القضايا قطاعًا عريضًا من المؤرخين، على اختلاف مشاربهم واختصاصاتهم، فأصبح الاهتمام بتاريخ الزمن الراهن على تعقيداته ملاذ الكثير من الدارسين.

لقد كان الهاجس الذي شغل الإخباريين ومن بعدهم المؤرّخين هو البحث في أسباب أزمة "الدولة الترابية" خلال القرن التاسع عشر، والمطالبة بإرساء نموذج جديد؛ نموذج الدولة - الأمّة، والتي لم تَنْجُ، على الرغم مما قامت به دولة الاستقلال، من الانحراف نحو نموذج الدولة الاستبدادية التي نخرها الفساد وتتابع الأزمات الاقتصادية والاجتماعيّة، وما رافق ذلك من غيابٍ للحرّيات الفردية وانتهاكات لحقوق الإنسان. وهو ما أفضى إلى الدعوة مجدّدًا إلى إرساء دولة المواطنة، والانتقال من الدولة الوطنيّة والخطاب السياسي المصاحب لها إلى الخطاب الثقافي المرتبط بالدولة بعد عام 2011.

فلماذا يتفحص المؤرّخون مختلف هذه الموضوعات؟ أيُعدّ هذا الأمر ضرورةً منهجيةً أم يُخفي تحولًا عميقًا في وظيفة المؤرخ ودوره في المجتمع؟ وهل يمكن الحديث عن تحولات إبستيمولوجية في بناء المعرفة التاريخية في تونس إلى حدّ تحوَّل فيه المؤرخ، على غرار عالِم الاجتماع، خارج الدولة وضدّها؟ ولماذا تزايد اهتمام المؤرّخين بأحداث الثورة وما نجَم عنها من تحوّلات سياسيّة ودستوريّة، لا يضاهيها في الأهمية سوى اهتمامهم بأزمة القرن التاسع عشر والإصلاحات الدستورية، أو بواكير التحديث في تونس؟

سيهتم هتمل و كس و جس كلينر عبر الإنترنت برمز الويب القذر. كلها برامج مجانية على الإنترنت.

حمّل المادة حمّل العدد كاملا الإشتراك لمدة سنة

ملخص

زيادة حجم الخط

على الرغم من الحشد الهائل من الكتابات والمنشورات والندوات التي تناولت موضوع "الأسطوغرافيا" ومجالات البحث التاريخي في تونس على وجه الخصوص، وفي المجال العربي الإسلامي بوجه عام، فإن موضوع علاقة الدولة بعلم التاريخ لا يزال وحده مثيرًا للجدل. ففي الكتابات التاريخيّة التونسيّة، على وجه التحديد، يطرح الموضوع ذاته مشكلات أشدّ تعقيدًا؛ بسبب الخصوصيات المحليّة التي من أهمها التحولات السياسيّة التي شهدتها البلاد منذ ثورة 14 جانفي 2011، وانعكاس ذلك رأسيًا على مجالات البحث ومناهجه في التاريخ.

فقد نجم عن ذلك جدل فكري وسياسي حول طبيعة الدولة ونظام الحكم الجديد، وعلاقتهما بالفاعلين الاجتماعيّين، وبخاصة النخب. ولم يبق ذلك الجدل، وهو ما يزال متواصلًا، حبيس أروقة الجامعات أو مراكز البحث ومخابره، وإنما انتقل إلى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وإلى مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته أيضًا. ولم يكتف المؤرّخ بصفته فاعلًا اجتماعيًّا، ومهتمًا بالماضي وأخباره انطلاقًا من الحاضر، بدراسة قضايا الدولة خلال القرن التاسع عشر، وإنما انخرط بدوره في الجدل الفكري والسياسي حول الدولة قبل الثورة وبعدها. وقد شغلت تلك القضايا قطاعًا عريضًا من المؤرخين، على اختلاف مشاربهم واختصاصاتهم، فأصبح الاهتمام بتاريخ الزمن الراهن على تعقيداته ملاذ الكثير من الدارسين.

لقد كان الهاجس الذي شغل الإخباريين ومن بعدهم المؤرّخين هو البحث في أسباب أزمة "الدولة الترابية" خلال القرن التاسع عشر، والمطالبة بإرساء نموذج جديد؛ نموذج الدولة - الأمّة، والتي لم تَنْجُ، على الرغم مما قامت به دولة الاستقلال، من الانحراف نحو نموذج الدولة الاستبدادية التي نخرها الفساد وتتابع الأزمات الاقتصادية والاجتماعيّة، وما رافق ذلك من غيابٍ للحرّيات الفردية وانتهاكات لحقوق الإنسان. وهو ما أفضى إلى الدعوة مجدّدًا إلى إرساء دولة المواطنة، والانتقال من الدولة الوطنيّة والخطاب السياسي المصاحب لها إلى الخطاب الثقافي المرتبط بالدولة بعد عام 2011.

فلماذا يتفحص المؤرّخون مختلف هذه الموضوعات؟ أيُعدّ هذا الأمر ضرورةً منهجيةً أم يُخفي تحولًا عميقًا في وظيفة المؤرخ ودوره في المجتمع؟ وهل يمكن الحديث عن تحولات إبستيمولوجية في بناء المعرفة التاريخية في تونس إلى حدّ تحوَّل فيه المؤرخ، على غرار عالِم الاجتماع، خارج الدولة وضدّها؟ ولماذا تزايد اهتمام المؤرّخين بأحداث الثورة وما نجَم عنها من تحوّلات سياسيّة ودستوريّة، لا يضاهيها في الأهمية سوى اهتمامهم بأزمة القرن التاسع عشر والإصلاحات الدستورية، أو بواكير التحديث في تونس؟

سيهتم هتمل و كس و جس كلينر عبر الإنترنت برمز الويب القذر. كلها برامج مجانية على الإنترنت.

المراجع