مورست رقابة صارمة ضد كلّ ما يتعلق بمراجعة الرواية الرسمية المتعلقة بالفترة النازية، ليس في ألمانيا فحسب، وإنما في غالبية الدول الأوروبية؛ فالمنعطف غير المتوقع الذي اتخذه المجتمع الرأسمالي الألماني، وبالخصوص مع صعود النازية، انتهى بكارثة الحرب الكونية الثانية وتجربة المحرقة المؤسساتية التي تختزل بداخلها كلّ الشروخ والجروح المطبوعة بندوب لا تمحى، بوصفها تجربة لا سابق لها؛ فقد بلغ الموت مستويات قياسية لا يمكن تصوّرها، وتمثَّل شكلها الأقصى بالإبادة الجماعية (الهولوكوست). إنّ القضايا المرتبطة بفترة النازية في ألمانيا خلقت الكثير من النقاش الداخلي بين مؤرخين متخصصين وفلاسفة على قدر كبير من الأهمية، وتركَّز الجدل بالأساس حول قضايا من قبيل فرادة النازية وجرائمها. وإذا كان التقليد الألماني بعد الحرب العالمية الثانية رسّخ فكرة تجنّب الخوض في القضايا المرتبطة بهذه الحقبة من باب الشعور بالذنب وتأنيب الضمير الذي لازم المؤرخين الألمان، فإنّ عددًا من التوجهات التاريخية الجديدة اليوم، في ألمانيا، فتح ملفات النازية والقضايا المرتبطة بها. وفي الوقت الذي ركز فيه بعض الدراسات البيوغرافية على الحياة الشخصية لهتلر وربط بينها وبين أدواره في سياسة الحل النهائي والمجال الحيوي لإثبات الخطيئة الفردية، فإنّ دراسات أخرى ركزت، على العكس من ذلك، على إبراز العوامل المرتبطة بالسياق العام. يمثّل تاريخ الحياة اليومية في ألمانيا اليوم أحد التوجهات الجديدة للإسطوغرافيا الألمانية التي استطاعت تجاوز التابوهات المرتبطة بمرحلة ما بعد سقوط الرايخ الثالث، ومن هنا تأتي أهمية تناول هذا الموضوع الذي يسلّط الضوء على مسار تجربة فريدة في الكتابة التاريخية الأوروبية.