ضربت فرنسا النابليونية الحصار القاري على اقتصاد بريطانيا منذ نهاية عام 1806، وبعد عامٍ واحدٍ امتد الحصار إلى البحار حيث جرت مطاردة جميع السفن المتجهة إلى الموانئ البريطانية، ليصبح الحصار برًا وبحرًا شديد الوطأة. وأظهرت سنوات تلك الأزمة، أهمية القمح كسلعة إستراتيجية. وبُعيد انضمام روسيا للحصار (وهي أهم مركز لصادرات القمح) ثم الدولة العثمانية، تم غلق المضائق والموانئ أمام التجارة الإنكليزية تقريبًا. وكانت مصر هي الجهة البديلة في صادرات القمح على مستوى عالم المتوسط. ولما كان قد تولاها والٍ طموح، يدعى محمد علي باشا، فقد عرف كيف يستغل القمح كسلاح إستراتيجي، وبخاصة مع اشتداد حاجة القوى الإمبريالية إلى القمح، ليفاتحها مرارًا وتكرارًا في دعم مطلبه الأثير بالاستقلال عن الدولة العثمانية. ومن هنا، دخلت مبيعات القمح المصري على خط الصراع بين القوى الإمبريالية، لتشكّل أحد عوامل رجحان كفة بريطانيا؛ ولتتلقى جيوش نابليون الهزيمة، وتتحطم الإمبراطورية الفرنسية، ويتغيّر معها مسار حركة التاريخ الأوروبي الحديث. إنّ دراسة القمح ودلالات استغلاله إذًا يمكن أن تشكّل مدخلً جديدًا، يساعدنا في إعادة قراءة تاريخ تلك التجربة الإصلاحية المهمة، ولا سيما في سنواتها المبكرة الأولى.