لم تحتل كتب الفتاوى والنوازل موقعًا متميزًا في قائمة مصادر الباحثين الذين اهتموا بدراسة العمران ومظاهر النمو الحضري في بعض مدن الأندلس، على الرغم ممّ تزخر به من مادة علمية. وقد ارتأينا في هذه الدراسة اعتماد نموذج من تلك الكتب للبحث في موضوع تنظيم المجال الحضري في قرطبة. ووجدنا ضالّتنا في كتاب "ديوان الأحكام الكبرى" لأبي الأصبغ عيسى بن سهل (ت. 486 هـ) الذي يتضمن مسائلَ وفتاوى غنية بمعلومات ومعطيات ذات صلة بالظاهرة الحضرية تسمح بالحديث عن "مجال حضري" في قرطبة كما يعرفه المختصون بالبحث في الظاهرة الحضرية. ونستطيع أن نقول، في ضوء المادة التي أمدّنا بها كتاب "ديوان الأحكام الكبرى"، إنّ جانبًا مهمًا من التدبّر والعقلانية كان حاضرًا في عملية تنظيم المجال الحضري في قرطبة على الرغم من بعض السلبيات التي شابته، ما يفنّد مقولة غياب العقلانية وضعف مستوى تنظيم المجال الحضري (في هذه المدينة، وفي مدن دار الإسلام عامةً) التي روّج لها كثيرًا بعض الباحثين الغربيين.