يُعدّ البحث في تاريخ المناخ، أحد الأبواب الجديدة التي طرقها البحث التاريخي منذ الانقلاب الحولياتي على المدرسة الوضعية الرَّانكية، فبات من التقاليد التاريخية البحث عن ملامح المناخ القديم استنادًا إلى الشواهد التاريخية ونتائج الأبحاث الباليومناخية والجيولوجية. وهو عمل لم يخل في ما يتعلق بالمغرب من إشكالات، اتصلت منذ البداية بالمناهج المتبعة ونوعية المصادر المستخدمة والأيديولوجيات الكامنة وراء بعض البحوث الصادرة بالخصوص زمن الحماية بالمغرب. في هذا السياق، تأتي هذه الوقفة الهسطوريوغرافية مع مناخ المغرب في العصر القديم، للوقوف على خلاصات البحوث التاريخية المنجزة في الموضوع، مع رصد نقائصها المنهجية والوثائقية، وكشف خلفياتها الأيديولوجية (المُرتبطة بالمرحلة الاستعمارية أساسًا)، ونقد مصادرها (الإغريقية والرومانية والأثرية)، بهدف إقامة بناء تاريخي جديد لمسألة المناخ، حتى يتم استثماره فيما بعد في القضايا ذات الصلة الوثيقة بالمناخ كالزراعة والماء والنزاعات حول هذا الأخير وأنماط العيش من استقرار وترحال. وقد توصلتُ في هذا البحث بعد مناقشة البحوث السابقة، ونقد محتوياتها، إلى ترجيح فرضية الرطوبة المناخية بالمغرب القديم مقارنة مع المناخ الحالي المتميز بالميل نحو القحولة والجفاف. وذلك استنادًا إلى عدة شواهد أدبية وأثرية وجيولوجية.